Return to site

نساء قرويات ينجحن بصناعة علامة تجارية

January 9, 2019

ليث أبوطالب وروزان القيسي
الأغوار الجنوبية- كانون الأول ٢٠١٨

عملت مجموعة من السيدات من المجتمع المحلي في قرية غور الصافي في منطقة الأغوار الجنوبية على تأسيس (جمعية سيدات غور الصافي) عام ١٩٩٦، كأول جمعية نسائية في منطقتهن، فتقول السيدة نايفة النواصرة رئيسة الجمعية، كنا سابقاً نلجأ للجمعيات التي كان يديرها الرجال، ولكن كان لدى النساء الكثير من المطالب والطموحات التي لم يكن من السهل تحقيقها من قبل تلك الجمعيات، كما أن تلك الجمعيات لم تُتح المجال أمام النساء للعمل ضمن كوادرها، فمن هنا جائت فكرة تأسيس هذه الجمعية النسائية على أيدي مجموعة من نساء القرية، لتلبي مطالب النساء وتساعد في تمكينهن وتأهيلهن في الكثير من المجالات، وبالتالي يستطعن تقديم المساعدة لمجتمعهن المحلي بشكل جيد وبدور أكثر فاعلية

بدأت الجمعية عملها في قرية غور الصافي في عدة برامج، كان أولها برامج التوعية، وبرامج القروض الدوارة، وبرنامج المنح للطلاب الأيتام، وبعد ذلك بدأت العمل على برنامج (صافي كرافتس) الذي أصبح علامة تجارية، والذي من أهم أهدافه تمكين المراة اقتصادياً

ففي عام ١٩٩٩ انطلق مشروع (صافي كرافتس) كأحد برامج الجمعية من قبل النساء المحليات، وهو مشروع لإنتاج قطع ومنسوجات يتم تصميمها بطريقة يدوية فريدة الصنع ذات طابع مميز وقيمة عالية، اذ انها صديقة للبيئة

المشروع يعمل على التنمية المستدامة واستثمار المواد الطبيعية الموجودة في الطبيعة لإنتاج صبغات بألوان مختلفة خالية من الصبغات الصناعية التجارية، والفكرة تقوم على أساس استخدام هذه الصبغات لصباغة الملابس والحقائب والشالات وغيرها من المنتجات من انتاج نساء القرية

في بادئ الأمر تم استخدام طين ورمل (البحر الميت) الملون، حيث كان ينتج الألوان الترابية مثل الأصفر والأحمر بدرجاته، وتطورت عملية استخراج الصبغات لتصبح من مواد نباتية طبيعية لا تسبب الحساسية الى جانب الرمل، وجرى أيضاً استخدام قشر ثمرة الرمان الذي يعطي لوناً أصفر، ولحاء شجرة الكينا حيث ينتج اللون البني، وجذور نبتة الفوة التي تعطي اللون الأحمر

اما بالنسبة لعملية الصباغة فهي تعتمد برمتها على درجة الغليان والتركيز والخلط بين الألوان بطريقة جذابة، فكل قطعة من منتجات صافي كرافتس صبغت بأيدي سيدات المجتمع المحلي بمواد طبيعية من أرض الأردن

بعد ذلك عملت السيدات تحت إشراف مختصين زراعيين لزراعة نبتة تسمى النيلة، وكان هذا من أعظم انجازات المشروع حيث تم اضافة لون جديد للمجموعة وهو اللون الأزرق الغامق (النيلي) الذي يتم استخراجه من هذه النبتة

ويعود تاريخ زراعة هذة النبتة في الأردن لآلاف السنين وفقاً لخبراء علم الآثار في منطقة غور الصافي، كما يعد الاردن اول بلد نمت فيه نبتة النيلة، ولكنها اختفت مع مرور الزمن وبعد ظهور الاصباغ الصناعية في القرن الماضي، الا انه جرى إعادة احياء زراعتها، حيث تم استيراد بذور هذه النبتة في عام ٢٠١٣ من الهند من قبل جمعية سيدات غور الصافي بدعم من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وقد تم إجراء زراعة تجريبية لهذه النبتة في عام ٢٠١٤ ونجحت عملية الزراعة مجدداً في غور الصافي، وفي شهر نيسان من عام ٢٠١٥ تم استخراج اللون الأزرق واستخدامه كصبغة لأول مرة من قبل النساء العاملات في صافي كرافتس باتباع التقنية التقليدية العُمانية

فتقول السيدة كاملة مرادات احدى العاملات في المشروع: “لن تتخيلوا أن هذه النبتة الخضراء من شأنها أن تنتج لوناً أزرقاً نيلي”، وتكمل حديثها فتقول: تمر عملية استخراج مسحوق هذة الصبغة بأكثر من مرحلة تستمر لعدة ايام، حيث يتم نقعها في الماء بطرقة معينة ثم تصفى، بعد ذلك يتم اضافة مادة الجير لها وتوضع بأكياس قماشية ويتم تصفيتها مرة أخرى، فينتج هذا المسحوق

غير أن منتجات (صافي كرافتس) تتميز أولا بالألوان التي تم صبغ المنتجات بها حيث أنها طبيعية ومستخرجة بعناية من النباتات المختلفة، فهي ايضاً تتميز بطريقة التلوين والزخرفة التي تتم بشكل يدوي أو باستخدام أدوات تقليدية في غاية البساطة لصنع تصميم أو زخرفة تخطف الأبصار ذات طابع تراثي وحداثي في نفس الوقت، من خلال ربط الإبتكار بالتراث التقليدي، ولذلك فكل قطعة هنا غير قابلة للتكرار وهي فريدة من نوعها سواء بالتصميم او بدرجة اللون أو توزيعه على القطعة

على الصعيد العملي مشروع (صافي كرافتس) أحدث للسيدات العاملات ضمنه تغييرا إيجابياً، فبالإضافة لكونهن سيدات قرية وربات منازل، أصبحن أيضاً قادرات ومتمكنات من إدارة مشروع ناجح ذو عائد مادي جيد، حيث أصبحت الطلبات تنهمر عليهن لتؤكد على أهمية عملهن وتأثيره، ليس مادياً فحسب بل على الجانب الشخصي لكل منهن، وهذا كله أنتج بسبب جودة وجمال المنتجات التي يقمن بتقديمها والتي تلقى استحسان الكثير من الناس

ومن الجدير بالذكر أن من العوامل التي ساعدت في نجاح مشروع صافي كرفتس، الدعم الذي تلقته الجمعية من اليونسكو والذي بدأ عام ٢٠١٣، لجعل العلامة التجارية صافي كرافتس علامةً مُستدامة، كما قامت بتدريب وتمكين العاملات في الصافي كرفتس على تقنيات الصباغة بالمواد الطبيعية من خلال تقديم دورات لهن خارج الاردن في الهند وفرنسا، وتدريبهن على ادارة المشروع بشكل صحيح، والتسويق لمنتجاتهن خارج نطاق منطقتهن حتى أصبحن قادرات على ايجاد اسواق ونقاط بيع في العاصمة عمان، وأيضاً تسويق منتجاتهن عبر الانترنت لتكون بمتناول الجميع